Posted at:
http://www.almoultaqa.com/Mai_Jacob_Haddad.aspx
***
"تأملات طبيبة تعمل في التربية الشعبية
في مجال الصحة المجتمعية" مي يعقوب حداد
طالما اعتقدت بأنني سأكون طبيبة مثل جميع الأطباء والطبيبات في لبنان. أعمل في عيادة، أميّز بين الأمراض، أعطي العلاج والمشورة...
ماذا تغيّر؟ ولماذا لم أنضم إلى النمط التقليدي مثل معظم زميلاتي وزملائي؟
ابتدأت حكايتي في مستشفى تعليمي حيث كنت أدرس الطب في بيروت. علمتني علاقتي مع الناس "المرضى" بأن الصحة هي أكثر من مسألة طبية، ورأيت أن الطبابة نفسها تسبب المرض .
وسعت الأفق وتطوعت في مراكز صحية في أحياء شعبية في بيروت. علمني الناس منظورهم إلى الصحة وأتاحوا لي فرصة التعرف إلى الطب الشعبي وأثر العادات والمعتقدات على الصحة.
في الوقت ذاته، عزز عملي في ترجمة وتكييف كتاب ديفيد ورنر "حيث لا يوجد طبيب"(1) إلى اللغة العربية في توسيع فهمي للصحة وأهمية الاعتماد على الذات ومعنى المسؤولية والحقوق الصحية.
توجهت بعدها إلى دراسة الصحة العامة عوضا عن التخصص الطبي الأفقي. وعلى الرغم من غنى المواضيع، اقتصرت الدراسة على تحليل الناس والعمل نيابة عنهم بدلا عن كيفية العمل معا ... ولم يكن قطاع الصحة العامة متماسكا بحد ذاته، فكان يتصارع مع المدرسة الطبية التقليدية التي تفرض الهيمنة عليه ليصبح امتدادا لسلطتها.
الحرب اللبنانية حوّلت مجرى عملي اكثر فأكثر ... توجهت إلى نشاطات وقائية وعلاجية وتعليمية تضمنت العمل مع الناس أنفسهم في تنظيم لجان واختيار عاملات وعاملين صحيين ... وشكلنا مجموعة دارسة من العاملات والعاملين الصحيين الذين ينتمون إلى جمعيات أهلية لبنانية وفلسطينية مختلفة. كنا نلتقي بشكل منتظم لنبحث ونتشارك مشكلات تواجهنا في عملنا وندرس معا مهارات نحتاج إليها في تعزيز عملنا ... وأثناءها اكتشفت قيمة كتاب ديفيد ورنر الثاني(2) في دعم العمل الصحي التعلمي والذي ساهمت فيما بعد في تكييفه إلى اللغة العربية بناء على تجارب عملية وصدر تحت عنوان "دليل العمل الصحي في التعلم والتدريب".
وساعدتني معايشتي عاملات وعاملين صحيين يعملون في أحياء شعبية، إلى اكتشاف حاجاتهم في تطوير موارد تعلمية تمكينية تساعدهم في عملهم ولا تكون غاية بحد ذاتها، بل أداة للتعلم والحوار والبحث. وأتاح المكتب الاقليمي لليونيسف فرصة لي للعمل مع فريق مبدع من فنانين وتربويين في انتاج موارد منوعة(3) في العمل الصحي من كتب وكراسات وشرائح ملونة (سليدات) وأفلام فيديو وألعاب وقصص مصورة وملصقات تتوجه إلى فئات مختلفة من الناس.
وعلى مدى فاق سبعة أعوام، عملت أثناءها مع مؤسسة دولية(4) في العالم العربي كمنسقة اقليمية لقطاع الصحة، تعلمت الكثير عن الواقع الصحي في الأحياء الشعبية والأرياف الفقيرة. وساعدني أساسا في عملية التعلم هذه معايشتي مئات من المرشدات الصحيات في تونس ومصر والسودان والأردن وفلسطين ولبنان. والمرشدات الصحيات(5) هن نساء يعملن في أحياء سكنهن في المدينة والريف، يزرن المنازل دوريا مقدمات الخدمة الوقائية والعلاجية والمشورة بحسب المشكلات الملاحظة في مجالات صحة الأمومة والطفولة والصحة الانجابية وسلامة البيئة وغيرها. وقد عدت مؤخرا بعد انقطاع دام حوالي عشر سنوات عن المرشدات الصحيات بهدف اكتشاف نسب مثابرتهن والعوامل المؤثرة(6). ولدهشتي، ودهشة الفريق العامل، اكتشفنا أن الموضوع هو حول مثابرة المؤسسات وليس مثابرة المرشدات! فهن ما زلن يعملن في العمل الصحي المجتمعي رغم انسحاب العديد من المؤسسات. ونستنتج أن المرشدة الصحية هي لقب يبقى مع السيدة أو الفتاة المعنية فترة طويلة أو لمدى الحياة رغما عن المتغيرات التي تحيط بها. وعزلنا في بحثنا في نهج التعلم الذي اعتمدناه في عملنا والمبني على أسلوب طرح المشكلات، كعامل أساسي في تعزيز مهارات المرشدات الصحيات ومثابرتهن على العمل. تضمن تدريب المرشدات الصحيات تبني مبادىء التربية الشعبية في مجال الصحة المجتمعية. نتعمق بمواضيع المجتمع المحلي المهمة بعد استطلاعها، وندرس الموضوع انطلاقا من الحاجات المعرفية والمهارية والسلوكية بهدف التعامل مع الحاجات والمشكلات.
وأثناء عملي مع المرشدات الصحيات، اكتشفت كنوز كتاب "التدريب من أجل التحول"(7) والذي أساهم حاليا في تكييف ترجمته إلى العربية(8). ونقرأ من مقدمة الكتاب:
"ينظر الناس إلى الأمور ويقولون لماذا"
أما أنا فأحلم بأشياء لما تكن بعد، وأقول لم لا؟"
نعم!!! لم لا ... ما زلت أحلم بعالم أفضل وأكتشف أثناء عملي أنني لست وحدي في ذلك، وأن في عددنا قوة ...
الهوامش
(1) العنوان بالإنكليزية Where there is no Doctor وصدرت النسخة العربية الأولى عن مؤسسة الأبحاث العربية بعنوان مرشد العناية الصحية، 1981. وأصدرت ورشة الموارد العربية النسخة المستحدثة وعنوانها "كتاب الصحة للجميع، حيث لا يوجد طبيب"، 1999.
(2) العنوان بالإنكليزية Helping Health Workers Learn وقد صدر عن مؤسسة الأبحاث العربية تحت عنوان "دليل العمل الصحي في التدريب والتعلم"، 1989.
(3) صدرت الموارد عن المكتب الاقليمي لليونيسف في عمان، الأردن، عام 1985. تأليف واعداد ورسوم مي حداد، ألبير أبي عازار، محمد حجار، بولس مطر، محمد رواس، بني وليمس، جورج خوري، الخ.
(4) المؤسسة هي Save the Children Federation
(5) توثق ورشة الموارد العربية حاليا أوضاع وتدريبات المرشدات الصحيات في العالم العربي. عنوان المورد "تعزيز مهارات العاملات في الصحة المجتمعية، نهج في التربي الشعبية الصحية"، تأليف واعداد د. مي حداد وعليه المهندس ونوال نجار.
(6) بحث اقليمي عينة عشوائية من 64 مرشدة من مصر والأردن ولبنان. إشراف د. مي حداد وعليه المهندس ونوال نجار وندى شيا، ورشة الموارد العربية، 1997.
(7) العنوان بالإنكليزية Training for Transformation
(8) "أفكار في العمل مع الناس، نهج في التدريب والتعلم"، اعداد د. مي حداد وغانم بيبي ويوسف حجار ومساهمات من منير فاشه، فريد أنطون، ألبير أبي عازار، عماد ثروت، فكرة محمود، ايلي الأعرج، منى سروجي، معتز الدجاني، نبيلة اسبانيولي، الخ. ورشة الموراد العربية، 2000.
No comments:
Post a Comment